بسم الله الرحمن الرحيم
أسرار تفجير كنيسة الإسكندرية وفضيحة لافون ... أيعيد التاريخ نفسه؟!
0وه جلال ووقار وسكينة تستشعرها تغمر المكان... وإن كان هناك حالة حزن تغطي المسجد أستشعرها ولا أجد لها سببا...
نظرت إلى يساري وأنا أمضي في طريقي لا ألوي على شيء فإذا كنيسة القديسين تقف في الجهة الأخرى، مستنفرة، حاشدة، متحدية، تتصاعد إلى أعلى، يحفها عن الجانبين شارعان مرتفعان، لقيني أولهما بسلالمه الصاعدة الممتدة بارتفاع طابقين وفي أعلاه مدخل جانبي للكنيسة......
مشيت ومضيت في طريقي وقلبي يحتمي بالمسجد الذي عن يميني، أتذكر صوت الشيخ شعبان المنشاوي حينما كان ها هنا يجلجل بالقرآن وينسد الطريق في رمضان من كثرة المصلين في يوم الجمعة وفي ليالي رمضان.... أخزى الله من فرق هذا الجمع لعيون هذه الكنيسة.
مهما حاولت أن لا تنظر جهتها تبقى هذه الكنيسة المستنفرة، المستفزة، المتحدية، التي لا أريد أن أنظر إليها خوفًا وفرقًا؛ لأنني كلما نظرت إليها أحسست بالرعب من وحش، أشعر أنه حانق يوشك أن ينقض على المارة وعلى المسجد يلتهمه ويزدرده في عنف وغشامة.
وحانت مني التفاتة فإذا البوابات محروسة حراسة مشددة، رجال بأزياء وأشكال مختلفة، هذا من الشرطة وهذا من كشافة الكنيسة وهذا بزي (السكيورتي) وكلهم عيونهم تدور في رؤوسهم كاشفة مترقبة انتظارًا لمجهول... أسأل الله ألا يأتي.....
وظهرت سيارة خضراء اخترقت الحاجز الحديدي الموضوع أمام الكنيسة فقامت الحراسة عل الفور واقفة، ونظر الشاويش الجالس أمام الكنيسة إلى السيارة ثم أغلق مصحفه الذي بيده، وصوب بصره إلى السيارة التي بدأت في صعود الرصيف أمام الكنيسة لتقف أمم البوابة الضخمة....
وعلى الفور تحرك رجلان من داخل الكنيسة وتوجها إلى راكب السيارة ففتحا له الباب، فإذا كاهن شاب في الثلاثين من عمره ينزل من السيارة فينحني هذان الرجلان له ويقبلان على يده يلثمانها بشفاههم تقبيلًا ومسحًا بالجباه، وإذا هو يكلمهما ويشير إليهما فيفتحان شنطة السيارة ويخرجان بسرعة صناديق صغيرة ويدخلانها إلى داخل الكنيسة.......
مضيت إلى بيتي وما زالت بقايا المشهد تحوم في ذاكرتي لا أدري لماذا.... ومضت الأيام فإذا نحن في ليلة رأس السنة الميلادية بالأمس.....
0ورة، وزجاجاتهم الفارغة، وأكياس زبالاتهم، وصواريخهم ومفرقعاتهم وووو.... احتفالهم المشئوم برأس السنة.
تجنبت المرور في شارع الكنيسة نظرًا للزحام البادي في الشارع واجتماع النصارى للاحتفال في كنيستهم.....
تعشينا أنا والأولاد وذهبنا لنخلد للنوم استعدادًا لصلاة لفجر، أخذت كتابًا أقرؤه -كعادتي- قبل النوم.....
كان الكتاب مثيرًا، وكان يتحدث عن بعض معارك الجاسوسية بين مصر وإسرائيل.....
شدتني عملية "سوزانا" الشهيرة بـ"فضيحة لافون"، وكيف فجر اليهود بعض الأماكن العامة التي يرتادها اليهود والأوربيون لأجل أهداف سياسية......
أهكذا ترخص دماء أتباعهم عندهم لأجل تحصيل منافع سياسية ودنيوية؟!
وما شدني إليها أكثر أن مسرحها كان هنا في الإسكندرية...
في شهر يوليو سنة 1954 م فجر اليهود ثلاثة طرود في مكتب البريد الرئيسي بالإسكندرية....
وفي الرابع عشر من يوليو انفجرت قنبلة في المركز الثقافي الأمريكي (وكالة الاستعلامات الأمريكية) في الإسكندرية، وحاولوا تفجير داري سينما (مترو) و(ريو) في الإسكندرية...
غير أن سوء الحظ لعب دوره واشتعلت إحدى المتفجرات في جيب العميل المكلف بوضع المتفجرات بدار سينما (ريو) فأنقذه المارة ولسوء حظه تواجد رجل شرطة في المكان تشكك في تصرفاته فاصطحبه إلى المستشفى بدعوى إسعافه من آثار الحريق وهناك قال الأطباء: "إن جسم الشاب ملطخ بمسحوق فضي لامع، وأن ثمة مسحوق مشابه في جراب نظارة يحمله في يده" ورجح الأطباء أن يكون الاشتعال ناتج عن تفاعل كيميائي....
وبتفتيش الشاب عثر معه على قنبلة أخرى عليها اسم "مارون أياك" صاحب محل النظارات الشهير، وتم اعتقال الشاب فاعترف وقال إن اسمه فيليب ناتاسون، يهودي الديانة، وعمره 21 عام، وجنسيته غير معروفة، واعترف بأنه عضو في منظمة إرهابية هي المسئولة عن الحرائق...
وعثر في منزله على مصنع صغير للمفرقعات ومواد كيميائية سريعة الاشتعال، وقنابل حارقة جاهزة للاستخدام، وأوراق تشرح طريقة صنع القنابل.
وبناء على اعترافات ناتاسون تم القبض على كل أعضاء الخلية اليهودية الموسادية وتم إعدام بعضهم وسجن آخرين...
في أعقاب المحاكمة حاولت إسرائيل استرضاء مصر للإفراج عن التنظيم بعد أن وصل الشارع الإسرائيلي إلى مرحلة الغليان، والعجيب أن الولايات المتحدة وبريطانيا اشتركتا في هذا الطلب فقد بعث الرئيس الأمريكي ايزنهاور برسالة شخصية إلى الرئيس عبد الناصر يطلب الإفراج عن المحتجزين "لدوافع إنسانية".....
وبعث أنتوني إيدن وونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني ومسئولون فرنسيون بخطابات وطلبات مماثلة غير أنها جميعا قُوبلت بالرفض المطلق....
وقالت وكالة الأنباء الإسرائيلية وقتها أن "هذا الرفض يعد صفعة على أقفية حكام الغرب ويدل على أن مصر تمضي في طريقها غير عابئة بغير مصلحتها".....
وفي 31 يناير 1955 تم تنفيذ حكمي الإعدام في موسى ليتو مرزوق (دُفن بمقابر اليهود بالبساتين)، وصمويل بخور عازار (دُفن بمقابر اليهود بالإسكندرية)، وعلى الفور أعلنهما موشي شاريت -رئيس الوزراء الإسرائيلي- "شهداء"!!..
0ت الأعلام الإسرائيلية وخرجت الصحف بدون ألوان وأطلق اسمي الجاسوسين على شوارع بئر سبع....
لم أكد أمضي في القراءة إلا وبدأ القصف المركّز للزجاج والأواني وبعض الصواريخ والمفرقعات، ثم بدأ سكون ما بعد منتصف الليل.... لكن شيئًا ما أحس أنه سيحدث....
تُرى هل هذا من تأثير ما أقرأ.... أم أن كوامن خفية في النفس تستشرف المستقبل... قطع تفكيري صوت انفجار كبير.. ما هذا!!!
دق هاتفي فإذا أحد أصدقائي ينقل لي الوصف.... انفجرت سيارة أمام كنيسة القديسين... هناك سيارات مشتعلة... القتلى في الشارع والأشلاء تملأ المكان... مسلمون وأقباط من ضمن الضحايا....
0روا واجهته... شباب المسلمين والأهالي يدافعون عن المسجد... الشرطة حضرت وفضت الاشتباك بين الجانبين.. أرجوك لا تنزل إلى الشارع فالناس هنا في احتقان شديد بين الطرفين...
لا أدري.... تذكرت مروري قبل أيام أمام الكنيسة..... تذكرت سيارة الكاهن التي اخترقت الحواجز الأمنية... أتكون هي التي وضعت فيها المتفجرات؟!... تذكرت أن أحد بطارقة الأقباط كان في إسرائيل منذ أسابيع...
تذكرت الشرطي الجالس أمام الكنيسة يقرأ القرآن... غلبتني دمعة نزلت من عيني.... يا رب ما يكون هذا الشرطي من ضمن القتلى.... يا رب يقبضون على المجرمين اليهود أتباع لافون وشنودة كما قبضوا عليهم في العملية الأولى.... يا رب احفظ بلدنا مصر وسائر بلاد المسلمين..... آمين.