نحن في زمان قلت
فيه الأمانة ، وكثرت فيه الخيانة ، وأصبح كثير من الناس لا يؤتمنون ، و
إذا اؤتمنوا خانوا ، وأصبحوا يتبايعون فلا يكاد أحد يؤدي الأمانة ، حتى
أصبح يقال : إن في بني فلان رجلاً أميناً ، لندرة الأمانة بين الخلق ،
وكأن الناس ما علموا أن الأمانة والرحم يقفان يوم القيامة على جنبتي
الصراط يميناً وشمالاً ، لعظم أمرهما وكبر موقعهما ، وليطالبا من يريد
الجواز بحقهما .
وأما سلفنا السابقون فقد تجذرت الأمانة في قلوبهم ، فبها يتبايعون ،
ويتعاملون ، ولهم في ذلك قصص وأخبار ، من ذلك ما حكاه ابن عقيل عن نفسه :
حججت فالتقطت عقد لؤلؤ في خيط أحمر ، فإذا شيخ ينشده ، ويبذل لملتقطه مائة
دينار، فرددته عليه ، فقال : خذ الدنانير ، فامتنعت وخرجت إلى الشام ،
وزرت القدس ، وقصدت بغداد فأويت بحلب إلى مسجد وأنا بردان جائع ، فقدموني
، صليت بهم ، فأطعموني ، وكان أول رمضان ، فقالوا : إمامنا توفي فصل بنا
هذا الشهر ، ففعلت ، فقالوا : لإمامنا بنت فزوجت بها ، فأقمت معها سنة ،
وأولدتها ولداً بكراً ، فمرضت في نفاسها ، فتأملتها يوماً فإذا في عنقها
العقد بعينه بخيطه الأحمر ، فقلت لها : لهذا قصة ، وحكيت لها ، فبكت وقالت
: أنت هو والله ، لقد كان أبي يبكي ، ويقول : اللهم ارزق بنتي مثل الذي رد
العقد عليّ ، وقد استجاب الله منه ، ثم ماتت ، فأخذت العقد والميراث ،
وعدت إلى بغداد .
وقال ابن المبارك : استعرت قلماً بأرض الشام ، فذهبت على أن أرده ، فلما
قدمت مرو نظرت فإذا هو معي ، فرجعت إلى الشام حتى رددته على صاحبه .